كتبه عبد الرحمن حسني
بحلول عام 2025، إذا كان هناك درس استخلصناه من جائحة كورونا، فهو أن قدرة المؤسسة على التكيّف الرقمي لم تعد خيارًا إضافيًا، بل باتت ضرورة أساسية. وبينما لا تزال بعض الشركات تنظر إلى التحديثات التقنية باعتبارها أمرًا روتينيًا، فإن الفرصة الحقيقية في التحول الرقمي في بيئة العمل تكمن في إعادة تشكيل طريقة تفاعل الموظفين مع بعضهم البعض، وكيفية تعاونهم ونموهم. وفي صميم هذا التحوّل تأتي الاستفادة الاستراتيجية مما يُعرف بـ”تجربة الموظف الرقمية”.
تخيّل “تجربة الموظف الرقمية” كنظام متكامل يشمل كل ما يتعلق بكيفية تواصل الفرق، والوصول إلى التدريب والموارد. لطالما سمعنا عن الأدوات الرقمية في سياق خدمة العملاء أو تحليلات البيانات الضخمة، لكن التركيز بدأ يتجه الآن إلى الداخل: إذ يكتشف القادة أن الارتباط الجيد بالتقنية يبدأ مع موظفيهم أوّلًا. ومع وجود منصات تواصل أكثر تطورًا وانسيابية في سير العمل وإمكانية الوصول إلى البيانات، لا يظل الموظفون مجرد تروس في آلة المؤسسة، بل يتحولون إلى عناصر فعّالة للابتكار والنمو.
قد ينظر البعض إلى “تقنيات تجربة الموظف” على أنها موجة عابرة. لكن الواقع أكثر إقناعًا من ذلك بكثير. فعندما يتمكن الموظف من فتح تطبيق واحد يشاهد فيه مقاطع فيديو تدريبية، ويتابع تقدّم الأعمال في المشاريع الجماعية، ويتبادل الأفكار الجديدة بشكل فوري مع زملائه، ستصبح الفرق أكثر كفاءةً وابتكارًا وسعادةً بشكل لافت. ولا يقتصر الأمر على التحديث من أجل الحداثة فحسب؛ بل هو اعتماد ما يمكن تسميته “استراتيجية بيئة العمل الرقمية” التي توسّع الآفاق، وتعيد تصوّر شكل اليوم الوظيفي في حال أزلنا العوائق.
وبالطبع، لا تستطيع التقنية وحدها حل جميع التحديات المتعلقة بالأفراد. فلا يوجد منصة بإمكانها إصلاح بيئة سامة أو ثقافة قيادية لا تشجّع على إبداء الآراء. كما يخشى البعض من أن الإفراط في استخدام التقنية قد يضعف التواصل الإنساني في موقع العمل. ولكن الخيار الأفضل ليس في تجاهل التقنية؛ بل في توظيفها بحكمة كعنصر تمكين. نعم، قد تخلق الأدوات الرقمية نوعًا من المسافة الافتراضية، لكنها أيضًا تفتح آفاقًا جديدة للتعاون، وتمكّن الفرق في مناطق زمنية مختلفة من التنسيق بسلاسة، والحفاظ على شرارة الإبداع البشري.
إن اعتماد “منصات تجربة الموظف” قد يبدو وكأنه مجرد تركيب برمجيات أخرى، لكنه في الواقع تحول فلسفي أشمل: على المديرين ومديري الموارد البشرية والقيادات العليا (C-Suite) التنسيق لوضع رؤية تركّز على الموظف. وينطلق ذلك من طرح سؤال أساسي: كيف يمكن لموظفينا أن يحققوا أفضل النتائج إذا نجحت هذه التقنية؟ ويُنفّذ التوجه بشكل تدرّجي؛ إذ تساعد البرامج التجريبية وقنوات التغذية الراجعة المستمرة والتحديثات السريعة في ضمان تطوّر التحوّل الرقمي بما يلبي احتياجات القوى العاملة.
في نهاية المطاف، فإن “تحديث تجربة الموظف بالأدوات الرقمية” لا يتمحور حول الأدوات في حد ذاتها، بل حول الثقافة التي تتبناها. فإذا أصبح عقد الاجتماعات بالفيديو هو غرفة الاجتماع الجديدة، وأصبحت منصات إدارة سير العمل هي ساحة التجمع اليومي، وأصبحت منتديات النقاش الداخلية هي بديل “الدردشة حول برّادة المياه”، تقع المسؤولية على عاتق القادة لضمان أن هذه المساحات الرقمية توفّر مناخًا للإبداع وتعزز الانتماء. وتحقيق هذا التوازن ليس مجرد خطوة ذكية للأعمال؛ بل هو المستقبل الفعلي لقوى عاملة ديناميكية وقادرة على الصمود.
تواصل معنا
القاهرة
الشارع الشرقي، قطعة رقم ب- 340، البنفسج 11، محافظة القاهرة
هاتف: 002 0220 21615
الرياض
الطريق الدائري الشرقي الفرعي، الربوة.
تواصل معنا
جولدن كولر - جميع الحقوق محفوظة - ©2024